سينمامقالات

JCC 2018: ثلاثة نساء وثلاثة أفلام!

 

               

                                                          حسني عبد الرحيم   

احتفالية سينمائية تحتوي كل شيء (الباهى والخايب) وتأتى بعد عملية إرهابية في وسط العاصمة وبالقرب من وزارة الداخلية ونزل “أفريكا” الذي يقيم فيه كل الضيوف المدعوين !انتقال حفلات الافتتاح والعديد من العروض لمدينة الثقافة بعيدا عن المسرح البلدي المقر التاريخي لهذه التظاهرات ،وصعوبة إجراءات الأمن في المدينة الجديدة(العزيزة)، وحضور الوجوه السياسية ورجال ونساء المجتمع بكثافة في الاحتفال وغياب العديد من المثقفين والكتاب الذين أعربوا عن احتجاجهم من التمييز ضدهم في مناسبة تخصهم ككتاب وفنانين والحضور المكثف لنفس الأشخاص الذين نراهم كل عام من تونس ومن بلدان لا يشكل النشاط السينمائي فيها أهمية تُذكر وربما ليس بها دار واحدة مفتوحة للعرض السينمائي !حفل الافتتاح الذي قدمت فقراته فنانة  ترتدي فستانا احمر وتقدم الهيئات والحضور بطريقة مضطربة أغضبت بعضهم!  يجعل هذه الدورة قطيعة مع تقاليد المهرجان الذي كان يحمل دائما طابعا جماهيريا! وكما عبر أحد كتاب السيناريو “أرجعوا لنا أيام قرطاج  للسينما.”!

رغم كل الإخفاقات الإدارية  توجد افلام في القاعات بعضها يستحق المشاهدة والمناقشة والكثير منها فرض حضورها منتجيها الأقوياء! دعونا نري النصف الممتلئ من الكأس ونتجاهل لبعض الوقت النصف الفارغ!

شاهدنا  ما نتصور إنها أعمال سينمائية جادة وهى لثلاث شباب واعد في سينما اليوم.  أعمال ليست ذات ميزانيات ضخمة ولكنها ذات محتوي فني واجتماعي متميز وهى من مصر والمغرب و تحظي بدعم مالي من جمعيات وصناديق أوربية متنوعة ومخصصة للسينما الشابة والمختلفة عن التيار التجاري السائد!

الفيلم الأول “أمل “للمخرج والمنتج ومدير التصوير “محمد صيام” وهو فيلمه الثاني ويحظى بدعم العديد من مؤسسات التمويل للسينما المستقلة .

يتتبع “صيام” الصغيرة “أمل” أبنة والدين من الطبقة الوسطي  وهبتم الحياة اياها وهم كبار في السن. كان الاب ولعا بابنته  حتى انه كان  يسجل كل لحظات حياتها بالڤيديو وتلعب هي حياتها كما  لو لكانت ممثلة. ويموت الأب بعد أن بث فيها محبة الحياة والشجاعة وتبلغ عامها الثاني عشر عشية الثورة التي تشترك فيها يومآ بيوم وتتعرض للتعذيب والقمع ولكنها لا تتواني عن المشاركة كما يشارك الكبار والأولاد الذكور وترفض اعتبارها قاصر وانثى وتنتهى الثورة بموت العديد من رفاقها وأصدقائها في “الألتراس” وتصل هي لنهاية مرحلة البكالوريا لكن الهزيمة لم تمنعها من دخول الجامعة و تعيش قصة غرامية …. وينتهى الفيلم وهي حامل . هكذا رغم الهزيمة وموت الرفاق تستمر أمل في الوجود والدفاع عن الثورة المغدورة ونقل تجربة حياتها الثرية لطفل جديد كما انتقلت لها من أبيها العجوز الذي تذهب لزيارة قبره في قريته البعيدة ووضع لوحة رخام على قبرة! وكما تنتقل الثورة ومحبة الحياة من الأب إلي الأبنة تنتقل للحفيد القادم.

من الناحية الفنية المونتاج المتوازي الذي استخدمه المخرج لمرحلتين في حياة أمل لون زهري تعبير عن الذاكرة وبالألوان الطبيعية في الحياة اليومية! السيناريو واختلاف الموقف بين الطفلة والمراهقة بين النشيطة في الثورة والمعارضة للثورة المضادة! بين تغيير الحياة والتكيف مع الواقع الجديد دون ان يتغير الأمل في الحياة! الفيلم هو تحفة الدورة الحالية سواء على المستوى الفني أو على مستوى الرسالة التى تتضمن عدم الموافقة على أحد الاختياريين المطروحين على جيل جديد ثوري كمتجول أمل :نحن لا نختار بين الطاعون والكوليرا لأن هناك خيار ثالث هو الديموقراطية وبينما  تذهب الأم الموظفة المحافظة للتصويت للاستقرار بواسطة العسكر  في حين ان الابنة ترفض هي أيآ من الخيارين لا عسكر ولا إخوان و تستمر الحياة  انتظارا لنهوض جديد للأمل!

الفيلم الثاني  “صوفيا «للمغربية “مريم بن مبارك “وهو حكاية عن طفلة تعيش حياة عادية في منزل عائلتها المتواضعة ولكنها مستورة ولهم اقرباء أغنياء وذوي نفوذ بعد زواج خالتها من ثري فرنسي! تتعرض الطفلة للاغتصاب من والدها وتنكر الحمل ولكنها تتعرض لألآم المخاض بينما هناك عشاء عائلي ! تتعرض خلال محاولتها ولادة الصغير الغير شرعي للرفض! لكن بنت خالتها الطبيبة تصحبها وتستطيع ولادة طفلها بمعاونة أطباء أصدقاء . حبيبها العاطل عن العمل وفرت له  الأسرة ذات النفوذ عملا في أحد مؤسساتها وساعدته على الزواج   ثم نسب له المولود الغير شرعي. صفقة اجتماعية كاملة تصيب الطبيبة بالسخط لكن أمها الغنية التى أدارت الصفقة تخبرها بأن هذا التصرف تفرضه العلاقات الاجتماعية  وهو  في صلح الجميع: الاب- الام – الحبيب- الطفل وستتكفل الأيام والسنين بمحو اثار هذه الصفقة والدراما الاجتماعية.

على عكس المعالجات النسوية  والاخلاقوية التي  تقف في صف  الطفلة المغتصبة وتركز على  فقط  على ادانة عملية الاغتصاب ونكاح المحارم ! عالجت المخرجة  ” مريم بن مبارك” المسالة بكثير من الواقعية وذلك بان اشركت الجميع في صفقة الزواج وتبني المولود مقابل حوافز مالية توفرها العائلة الثرية للحفاظ على سمعة العائلة ومكانتها الاجتماعية في مجتمع تقليدي ومحافظ مثل المغرب.

الفيلم الثالث عن المرأة أيضا وهو لمهندس مصري شاب كتب الفيلم وأخرجه بنفسه ولَم يكلفه سوي 700 دولار هو فيلم “بين شتاء وصيف” ل”شادي فؤاد” الذي يتحدى به الميزانيات الضخمة التي ينتج عنها أفلام بلا قيمة!

الحكاية بسيطة مطلقة من “الإسكندرية “تذهب وتطرق باب طليقها ”القاهري” بعد عشرين عام من الانفصال فتجده كما هو في بيت العائلة يرسم ويحتفظ لها  بكل   حاجياتها.  رحل ابواه للنعيم الأبدي فلم يتزوج ولَم يحب امرأة وهي بدورها لم تتزوج ولم تحب رجلا آخر. ورغم طول مدة الانفصال   لم تنطفا جذوة الشوق  فانطلقا في فسحة من التذكر واطلقا العنان للذكريات… بعد اللقاء تعود  المرأة  المطلقة الى الإسكندرية وللحنين وحيدة وهو يبقى كما هو يرسم أشجانه وحيدا.! سعداء هم المحبين الذين انفصلوا ولا يتلاقوا مرة ثانية !حتى لاتنكئ جراح الأمس!

ثلاث افلام يعالجون احوال نساء في مواقع  اجتماعية ونفسية مختلفة  فى زمن   يشهد  أزمات متنامية  وتفكك للعلاقات القديمة واضطراب للذاكر ة ومحاولة مستميتة للاحتفاظ بالحب والأمل والكرامة  رغم التنازلات الاضطرارية! الحياة قائمة بِنَا ومن اجلنا وهى ما ينبغي الدفاع عنها!

الأفلام الثلاثة لمخرجين يخطون خطواتهم الاولى فى عالم الصوت والصورة وقد استطاعوا صناعة أفلام جيدة استحقت تقدير لجان التحكيم.! حصل  فلم  امل على ”الذهبية” عن “الفيلم الوثائقي الطويل”!؟ وحصل “صوفيا” على جائزة التمثيل!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى