أخبار ثقافيةشعر

الشاعر كمال الغالي: المَحكيُّ يدورُ على نفسهِ والفُصحى تُشيرُ عليهِ بقلم الشاعر منذر العيني

 

تصدير:”الشُّعراء الحقيقيّون ينبغي أن لا يكفّوا عن قول: لا أعرف”

توطئة :

المراسم الكتابيّة لا تكفي دائما في الإحاطة بالتجربة الشّعريّة للذات المنشئة وهيّ تتولّد في مجرتّها بين الكتابة نسقا تتغاير فيه اللّغة بين الإمكان والتسجيل من جهة وبين الحياة والوجود من جهة ثانية. فالحوافز متداخلة على حدّ عبارة القدامى من قرّاض الشّعر هي السيميائيّات بتعبيرة المحدثين أي كلّ ما يمكن أن يجعل من الوقوف على الكشف والإستكشاف وحتّى الإختبار في تحيين الدّلالات إنطلاقا من علامات لغويّة أو إشارات  قد لا تُسجلّ إلاّ مسرحةً أو إيماءا, يجعله حظيرة للتفاعل المتقاطع أخذا وردّا ثمّ  بناءا  يجوّز أحكاما للقيمة تدور في فلك العلميّة والموضوع والمعيار .

تقديم:

تندرج هذه المقالة في إيلاء الأهميّة والخصوصيّة الممضية لتجربة الشّاعر كمال الغالي تجربة شعريّة ثريّة إبتدأ مدارها مع تدفّق واعٍ لمسارات ثوريّة ملتزمة منذ نهاية سبعينيّات القرن الماضي ومازالت إلى اليوم تُشكّكُ أطرافَها تخيطها تتعهدها بالسّهر والحمّى.

أشعاره أو أبياته ديوانهُ المُوسّع لا يستقيم معه التنميطُ  في إحاطته بالطّريقة الهندسيّة المعتادة فالتجربة تتوزّع على أشعار محكيّة متناولاتٍ متعدّدةٍ من الأوزان والقوافي لايشغلها  الإلتزام  فقط ولا هي ضمن دائرة الشعبيّ المتهالك والتّابع ,كذلك له مجموعة مطبوعة عن “دار صامد للنشر” تحت عنوان “شكّ جميل” مجموعة تسوّغها الأحداث ظاهرتها الإبلاغ وحكمها الإلتزام مرّة أخرى ينشد التواطئ مع لازمة التقفية والتسجيع في براعة مغايرة سنأتي على إضاءتها.

حول مسارين في الكتابة وحول مسارات أخرى عن الأخبار والمعيش سنحاول رصد التّداعي في الإنشائيّ وطرائقه عند التفقّد لدى الغالي وهو لا يؤكّد كثيرا ولا يعوّلُ على الإعتراف و” لا يعرف ” أمام طريق كهذه تدركُ أنّه “يعرف” وأنّ إبرام العقد مع الشّعر ليس ظرفيّة طارئة بل لعبة كينونة صراعٌ نادر مشبوه بين التهمة و البراءة والإرسال مواقف وشحنات .إمّا حياةٌ وإمّا فَلاَ.

المحكيُّ يدور على نفسه:

من البديهيّ أن تنقل اللّغة بخصوصيتها التواصليّة أوّلا تجربة الإنسان في تعهّد أوّلي للتأريخ والتعريف وثانيا تنقل عواطفه لا بالمعنى المتدوال الماضوي والرّومنسي الغابيّ بل بالمعنى المشتركي مع الآخر ومع الذّات.

حقيقة كم ستكون هذه الذّات منصهرة في بوتقة الآخر؟ وهذا ضوء تَعرُّفيّ إستكشافيّ نلمسه في أفق القراءة والتقصّي.وآنطلاقا من هذا الرّصد:ينتبه الشّاعر شيئا فشيئا إلى محوري التبادل والتغيير على خطّ الكتابة والنظر يرقن مشاهد التجربة .

يبدأ السّعي عند الشّاعر بلغة محكيّة محليّة ترتّب زَجلا تمثيليّا يقارب ما آنتشر في البيئة الأندلسيّة وما ترسّم عند الشّوام في تدويرهم للحياة المعيشة ويُفهَمُ هذا النّزوعُ إلى العاميّة في تقديرنا للقرب من اللّغة الفصحى أوّلا كنموذج مرجعيّ يستطيع أن يحدّد طاقة الإدلاء يَستأنس به المتتّبع وهو يتجاذب بين العاميّ التونسي وبين ملفوظات الفصحى التّي تنأى بنفسها عن الحضيض من السمّيعة  المبتذِلَةِ للتعبيرة الثقافيّة الملتزمة .

لذلك كان إتّجاه الكتابة واضحا ليس عند كمال فقط بل عند فئة مدرسةً مُميَّزةً مشترَكةً في الفكرة والآداء نذكر على المثال شعراء البحث الموسيقي وشاعرنا منهم (آدم فتحي _بلقاسم اليعقوبي_….) وقد نسج على مثالهم شعراء قادمون أمثال (عبد الجبار العش والطيّب بوعلاّق_ …) وقد آتّسم كل صوت بخصوصيّاته ولكن يُعتبر كمال الغالي  من الخُروج الأوائل عن تجربة سبقت هذه النزعة سُميّت أنذاك بشعراء الطّليعة الّذين وُصفت كتاباتهم أيضا بغير العمودي والحرّ وذلك لتطعيماتها الأسلوبيّة بالمعجميّات التونسيّة كشأن عنوان أحد مبشّريها الطّاهر الهمّامي “الشّمس طلعت كالخبزة”.

المنطلقات في هذا الإختيار ليست مبتورة بل متصّلة في المبنى من حيث الإقتراب من الطّراز الطليعي وكذلك في المعنى حيث أَدْكنت دوائر الإهتمام بشؤون الإلتزام والتكلّم حول القضايا الإنسانيّة وقضايا الوطن قضايا تونس في الهجير البورقيبي وتحت نير آلات القمع النوفمبري.

والتنظيمات الطلاّبيّة أمست تلامس سقف المحرّم والممنوع نشابه بذلك ما يحصل في جغرافيّة هذه الأزمنة من ثار في أواخر الستّينات في فرنسا وكان نزوعا في الموضة والتتبع الثقافي في السينما. والنوادي ديار يسكنها جنون الشباب بالتحرّر والإنعتاق .

من هذه الأودية التاريخيّة في المسارين الإنشائي والنضالي نما التشكيل عند كمال الغالي وغدا شخصيّة تتدافع نحو الإصرار في المعرفة والتجربة والتصريح.قد نستدلّ بعيّنة من النشاط التأليفي هو كالآتي:

ــ بْشَرْفَكْ ڨُلِّي آه يا شعبي –

بْشَرْفَكْ ڨُلِّي آه يا شعبي

مِنْهُو زارك وَسْطِ دْيَارَكْ ..

في الاجبال وفي الوديان ؟

ياخو تمرك

ياخو زيتك

ياخو رْصاصك

ياخو حْديدك

ياخو زْرَابِي مْعَ الكتّان …

ويْجِي يْڨلِّكْ : راهو أمنك وِاسْتِقْرَارَكْ

مْعَ وْخَيّانك الِفْرَنْسِيسْ وِالامريكانْ !

ڨُلِّي مِنْهُو خيرك سرڨه ؟

ڨُلِّي منهو وَطْنَكْ بَاعَهْ ؟

يْڨُلّكْ : وِلْدَكْ دَارْ اِضراب

دار اِضْرَابْ .. وْرَاهُو خانكْ !

وِانْتَ تعرف .. آه شعبي

منهو خانك .. منهو هانك

انت تعرف منهو خيط بالكرتوش كْفَنْ

كْفَنْ فَلَّاحِكْ وْخَدَّامِكْ .

وِانْتَ عِشْتْ نْهَارْ خْمِيسْ

وانت تعرف شِنْهُو البُوبْ

شِنْهُو العسكر والبوليسْ ،

انت تعرف ..

لـكن اِلْفَمْ عْلِيهْ كْمَامَة

الحاكم سلسل الفلاح والخدّامة

لمّا عْرَڨْـهُمْ هَزَّهْ .. بَاعَهْ

كْتِبْ جَرَايِدْ ، دار اِذاعة

يْڨُلَّكْ : وِلْدِكْ دار اِضْرَابْ

دار اِضراب وْرَاهُو خانك !

بشرفك ڨُلِّي ..

آه يا شعبي ..

مِنْهُو خانك ؟!

مِنْهُو هانك ؟!

مِنْهُو نڨَّصْلَكْ من شانكْ ؟!!!

…دائما تبدأ الحكاية ضمن نظريّة للأداء محكومةً بالفواصل التساؤليّة التّي تنشّط في المتلقي حالة الإنفعال أوّلا وحالة التلقي ثانيا لأنّ الإستفهام طلب مشترك يبنيه الباث من عليائه تماما في هذه الحالة مثل الأمر وفي هذاالمقام تنشط الطلبيّات لتنشئ حالة من عدم الإستقرار والتلبيةُ معروفةٌ مؤجلّةٌ للطبيعة المشتركة بين كمال احمد بديع  وبين منظوريه من الطلبة والشّعراء والمنصتين وشعبه من البروليتاريا ذوي السّحنات السّمراء والبدلات الزرقاء.

السؤال تساؤلات لا تعرف الهدوء والختام (منهو نقصلك من شانك…؟) وليس كشأنها في الفصحى حين تبدو جافّة وحادّة لا تليق بمقام الشّعر والحالة تتداعى لمدّ اليد مع الآخر لا للإستقصاء والتحقيق كما هو التوصيف أيضا في المقاطع الفلسفيّة الباحثة عن الحقيقة .فالحقيقة هنا إنكار أو تنكريّة معروفة بالحدس الخادم للقول وقد ينصفنا هنا التدليل بمقولة للمفكّر قاستون بشلار حين يدير عينه للشعراء “ماذا نفعل نحن الفلاسفة دون معونة الشّعراء مثقلين بالسّنون وبالمنطق الجدلي ”

البَلَلُ العاطفيّ في المقطوفة الشعريّة هذه تؤطرّه الأخبار زادةً أو زيادةً وسط عاصفة التِّسآل المتكرّر .أخبار تأتي صادّة تَشِم اللّحظات الزّمنيّة والشّاعر لسان قبائله من الجنوب إلى الشّمال تعيّن مواطن الإضاءة للتنفّس والإستعداد لا للصدمة والإبتعاد فالمسائل واضحة بعد نشوات الإستقلال والخروج من الزّغردات وركوب الرّأسماليات الجديدة بالأبيض والأسود بدايات التكديس للثروة والمال. أنذاك جاء دور العادة والسّنة والمنطق الحامي راكبًا ومرَكَّبًا بين الدّين والسّياسة”وأطيعوا اللّه وأطيعواالرّسول وأولي الأمر منكم” فتأتي أصوات أخرى لأبي ذرّ الغفاري وشعراء على ملّته وعلى ملّة يساريين وجوديين. والنّارُ تقدح شرارتها بين المطارق والمناجل. والجغرافيّاتُ سباسب عليا سباسب سفلى وجنوبٌ حامضٌ مغبرّ وادي يعيش وادي (بَايٌّ آشْ؟ ).التّاريخ مطمور داخل صواتم هذه النّداءات مَعرفةً أولحمةً حيّةً علاماتٍ من الأمكنة الأزمنة الفواعل تلك تصاريف الحفر وهي تنبش ذاكرة هذا المظنون به هذا الشاعر وهو ينادي جمعه .المسرح يقرب شيئا فشيئا بالحركات بالإظهار والإضمار فاعليتُه في نسيج النصّ منولوجٌ دامعٌ دامغٌ بالحجج والأدلّة على ذات معبّرة تتحركّ فوق الرّكح وقّادة من شدّة الجذب صوفيّةً مختزلة وعناقا يدور في فراغٍ مولّد للإنفعال يراودنا للتوحّد مع “الشعب” والشعب هو وغيره غيره غيره من الرّفقة والمنهزمين .حالة من التخاطب اللاّسلكيّ وفرّتها الأبيات ولعلّه الهدف الرّئيسيّ في بغية هذا التواصل الفنّي الذّي تنشده هذه الحساسيّة من الشّعر .

أخبارٌ تفتّن حركة الإطمئنان لتبلغ ذروة الإنشاء  هي طلبٌ آخرٌ مرجعيّ في منظومة كهذه جديدة تكبح جماح الفصحى للتداول الدّارجي المحكيّ حتّى تستسيغها جموع المتخرّجين من الطلبة تحت الشّمس من عُبّاد المسرح والسّينما والأسماء الجديدة بالقافيات المكسوّةِ بِ”كيِ “(تروتسكي دوستوفسكي تشومسكي للأحمر الثوري … )

“ينبغي أن نحفّرفي جسد النصّ” قال معلّمنا “بكّار” أنّ نوقظ أيضا في التّاريخيّات حظّها العاثر ونحفّز إبرة البوصلة في جميع الإتّجهات والدّقائق التي كتبت هذه النّصوص وهي تقطع عهدا لا تنقضه مع الرّعشة الأولى عند الصّياح والنّهوض بالحروف مُجاورةً حقًّا للفصحى ومجاوزة له ليس بشعريّة لاشعبيّة تقليدية بمخاطفها في التصنيف والتقعيد ولكن فيها ما فيها من الأجراس التّي تُلحِد عباداتٍ وزنيّةً مجترّةً مشكّكة فيها وناقمة عليها ومنها تأخذ لهجتها و قافَها البدويّة تحت جمر الشّموس والأوشام.

غريب أمر هذا النّمط من الشّعريّات المفارقة لا يقدّه إلاّ اليسار هذا اليسار الخطّاب والخطيب للكلمات وكأنّما السرّ في الموضوع, مادّته قماشةُ الإلتزام  تؤسّسه أفكار غرامشي وعقائد مَاوْ وتوصيات الصُلّع و الجُحّاظ من الفلاسفة والملتحين الكفّار إذ يدفعونهم  للقول يبدأ هذا المشترك القيمي في السّيلان بتعبيراته المتعدّدة ملفوظا وجرسيّات” البوب _البوليس_ الخضراء_وِلدك_أمّك….” على هذا التراسل في الأدبيّات المؤطّرة  كان الغالي أيضا يحرّك عالمه الإبداعي تتبعه صور متواترة عن تونس الأمس تونس اليوم في نظر دفين عن حالة تؤكّد رجوعنا إلى مربّعات أولى من الدكتاتوريّة الدّينية المفرطة والمغرضة في سبب منتج لتاريخ مماثل عايشه الشّاعر للتسّلط و القمع الممنهج ضدّالحريّة والأحرار ونحن نرى ونسمع إغتيالاتٍ وإعتقالاتٍ من أرواح اليسار الغائرة في حبّ الوطنيّة أمميّةً جائزةً يتباعث صداها هنا وهناك أمام عجرفة بلاستيكيّة العولمة المعلّبة للفكر والفنّ بينما الأديان باركة تلوك أفيونها ببطء شديد.

“بشرفك قلّي أه يا شعبي منهو خانك ؟ منهو هانك؟”

آيْ آيْ آيْ موجعة هذه الكلمات وهي تراهن على حركة الإحتجاج عند الشّعب لا لتبرّر ذاتها أمامه بل لتدفعه قدما حتّى يرمّم مصيره على الأقلّ قدّام ما نراه من رخويّات سلوكيّة عامت على الشّارع وأعمته. والحكاية حكّوتة قصيرةٌ مقتضبة أملاها الضّيق الحيّز من سجن القصيد تعرضُ ما تعرّض له كلّ المثقفين العضويين الذّين آنخرطوا منذ ذلك “الخميس” التاريخيّ في ردّهم عن أسئلة التحقيق (لماذا تُضربُ؟ من دفعك إلى الإضراب ؟…) الشّعر شهّاد وقائع هي ملامح الشّغيلة في تأريخها لزمن الإتحاد المضيء. محاكمة حيّة أمام الملإ يأخذنا إليها هذا الوريث الشّرعيّ للفترات الذهبيّة من الوعي الطلاّبي التونسيّ ومن الحماسة الوقّادة للضّمائر والعقول المخلصة للنظريات المدروسة أنذاك .كيف حالهم اليوم الدّعاة الجدد لليساريّة “المبرفنة” أتساءل:أمام هذا المنجز الحارق ممن أكلو “البسيسة “حافّة دون سكّر.؟

هكذا إذن لا يفتأُ التساؤل خدّاما في ورشة الغالي ضمن هذه الفعاليّات من القصائد الموشومة بالطّرب والطّلب ولا يقف الأمر في سرديّات الإستفاقة عل تلك الاوجاع المشتركة والقضايا الجمعيّة للأزمنة النّضاليّة الصّادقة بل يتعدّاها الإستفهام حول منهجٍ وصفيٍّ للكيف والسّبب في الوصول إلى الشّعر والسّؤال المحور يخطّطه إبن بديعة بأشعار تغوص في منحنيات الكتابة مبتدأً وخبرا لانّه يعرفُ ويعرفُ أنّ حكاية العشق هذه لا تنتهي مادام السّؤال شهادةً والإبلاغ عنه ولادةً للنّصوص ولاداتٍ على دفتر الذّاكرة والهوامش.

الفصحى تشير عليه

نوّع الشاعر في التناول الشّعري فكان المثال الأوّل هو السّاحة المثلى للتعبير بالتّصريح والتمثّل في آختباريّة وآختياريّة جديدة  إستوعبت مدارات هذا التوزّع وهذا الواجب الفنّي وهذاالوعي الدّافق وكانت الفصحى المنحى التجريبي التعاقدي الثاني لبناء نصوص تعتلي بفنيّتها مسار التقبّل ولكنّ ما فرّق أو ما عطّل أو بايَن حسايسّة الأولى أي دائرة الشعر المحكيّة المغسولة بالفصحى والدّائرة الشعريّة الفصيحة أنّ النّصوص كانت بيّنة ذات طاقة تصعق المتلقي من ضربتها الأولى و أنّ نصوص التوجّه الثانيّ تتطلّب الإمكان و الإنغماس بالطّبع لخصوصيّة المعرفة العلميّة للعربيّة عموما حتّى يعاين القارئ بضاعته تحت مجاهر التحليل بالإعراب والبلاغة و الأمر يتطلّب حيّزا من زمن الهضم حتّى يكتشف في مدوّنة عنوانها”شك جميل” ما يرفد الإشتغال الأوّل و حرقة التساؤل إلى آنصهار يكاد يبرّر توزّعاته على البياض بين السّلب حينا والإيجاب أحيانا في حكمه على الصّياغة و المردود.

ممَّ ينشف النهد ؟

من الخيطِ .. قالت ،

والخيطُ أول الأبجديةِ

في الـ ـ ـ ـ مشنقة ـ

إخترت في ما آخترت هذا المنحدر الصّعب من التجربة كلمات لا تثقل التعداد نصّا نحيفا كهيئة صاحبه وهو يقاوم بالجود جوع الأزمنة في معاشرات كثيرة بين الغربة والوطن هذا الّذي يتخّذ منه مسارا  إيروسيّا إستنادا إلى مفردة”النّهد” تونس الحرم الأنثوي الكلّ في الكلّ والأمّ أوِّلةٌ وثانيةٌ .فعلا كيف يمكن تطعُّمَ هذه الفصحى دون الرّجوع إلى هدير نصوصه الصّارخة والقالب هنا آستثناء على غير العادة آخترته لأوجّه معارفه على البياض أنّ الكتابة شغف دائريّ تُدَلّل على أنّه يَعـرِف الرَّجلُ يعرفُ, يغرف من روافد عدّة من مدرسة (مجلّة شعر) من حالة “الماغوط” وجها منكسرا ودخانًا كثيفا من العبرَات والعبارَة والتعبير.

شيءٌ ما يخيط أبجديّاته مفترقات تساؤليّاته إذ تطيح باليقين والوثوق تصعد على البوديوم واثقةً والكتابة جارّة ومجرورة عالم عجائبيّ يعتقده الكثيرون أنّه بلا خرائط أو مدارات ولادليل ولا لثام, غير أنّ “أَزْوَلَ” قراءة تُغرق صاحبها في ملكوت التأويل تتعبه تتبعه رشوما ورسومات.والرّمز يحرّض فينا الشّهوة والإيقاع تنزيل على غير العادة نثر مباشر فتّاك تعديةٌ جامعةٌ وحْدَةً وحدةً وبين النّهد والمشنقة طريق الشّعر هذا الخيط الباسم للعوالم والأشياء. ولابدّ حينئذ من الإشارة إلى إنغماسه في الوزنيات النمطيّة المعهودة ناءت بشاعرنا إلى جداول مفضوحة قد تطلق سراحه امام الجموع عند الإنشاد ولكنّها حدّت من تركيزه على هذه الفصحى العنيدة اللّولبيّة في مسار التكيّف مع قول المقول المُحتّم للطّاقة والإخراج فغدت اشعار بمجملها في سلّة المناسبات.

نموذج طراز من فُصحته هدّأ من روعنا وقادتنا إلى تلازم إجباريّ بين الحيطة واليقظة قبل إنفجار الإضاءة والحكاية عينها أو ذاتها تترّد بين المنشئ في فضاء ورشته حبّه لتونس للبهاء الحميميّ بين الفكر والفنّ نسقين متعاضدين يخرجان المرء من حيوانيّته الأنويّة ليعلوَ الإنسان الإنسان مفردا بصيغة الجمع ترتيبا لأخلاقيّات السّادة وهم يتحرّرون شيئا فشيئا من عبوديّة الأديان والشوفينيّات الضيّقة .

خاتمة:

كمال الغالي عنوان كبير ضمن شعريّة بلورت آختياراتها  للتثوير والتحفيز والتأريخ  في نظر هو المواجهة الحيّة بأسلحة الكلام دارجة محكيّة أو فصيحة مبنيّة في تأصيل للكيان وجد نفسه مجبرا على الدفاع عن النفس بالجهر أو بالهجر والأمكنة أزمنة فاعلة مواقيت وأحداث وشهود ووعود تلك مودّته للقصيدة وهي تمضيه وشما أزرق اللّون على صفحات الطّريق.

كمال الغالي للمعرفة بالإجتماع دوائر ونواعير. آلتقاطات كالزّقزقات من فم الطّير يخطفها وهي مازالت في فضاء الصّمت والتشريح بين المداخل والخواتم والأعقاب قافية أخرى تسجلّها العشايا والصّباحات.

كمال الغالي  ليس من يعرف كمن يعلم .. والحدس خدّاشُ حياء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى